
تنمية مهارات الاطفال فى السنوات الست الأولى وفق منهج ماريا مونتيسورى
ترى الدكتورة ماريا مونتيسوري أن السنوات الست الأولى من حياة الطفل تمثل مرحلة حاسمة في تكوين الشخصية وتنمية المهارات العقلية عند الاطفال وتنمية الذكاء. خلال هذه المرحلة يمر الطفل بتحولات جوهرية تؤسس لبنيته النفسية والسلوكية والاجتماعية حيث يتفاعل مع بيئته بطرق فطرية عن طريق طاقة داخلية لاكتشاف العالم المحيط به. اعتمدت مونتيسوري في تفسيرها لتطور عقل الطفل على ما سمّته بـ”العقل الممتص”، الذي يمكّن الطفل من امتصاص المعرفة من البيئة تلقائيًا، أولًا بشكل لا واعٍ ثم بوعي متزايد.
ترى أن هذه القدرة تبدأ من لحظة الولادة وحتى سن السادسة، وهي الفترة التي تتشكل فيها الشخصية، وتنغرس العادات والسلوكيات الأساسية. تحدثت أيضًا عن “الفترات الحساسة”، وهي مراحل مؤقتة يظهر فيها الطفل استعدادًا فطريًا لاكتساب مهارات معينة بسهولة، مثل تعلم اللغة أوتعلم النظام أو تطوير الحواس. وإن لم تُلبّ هذه الاحتياجات الفطرية، فقد يعاني الطفل من نوبات انفعال وإحباط.
تنمية المهارات العقلية عند الاطفال وتنمية الذكاء
تؤكد مونتيسوري أن اللغة لا تُكتسب من خلال التعليم المباشر، بل تنمو تدريجيًا بدافع داخلي. وقد أشارت في كتابها “العقل الممتص” إلى أن الأطفال في جميع أنحاء العالم يمرون بمراحل لغوية متشابهة، حيث يكتسب الطفل اللغة عبر التفاعل الحي مع البيئة والمحيطين به. وقد توافقت في هذا المفهوم مع نظريات تشومسكي وكريستال الذين أكّدوا وجود جهاز بيولوجي لاكتساب اللغة.
تُقسم مراحل اكتساب اللغة إلى مرحلتين:
- مرحلة دنيا يتم فيها بناء الروابط العصبية والعضلية
- مرحلة عليا يتم فيها تفعيل اللغة واستخدامها للتواصل. وتدعو مونتيسوري البالغين إلى الحديث مع الطفل بلغة سليمة وغنية دون تبسيط مفرط لتعزيز تطوره اللغوي والعقلي.
تنمية مهارات الأطفال من خلال الحرية والنظام والحركة:
تشدد مونتيسوري على أهمية تلبية احتياجات الطفل النفسية والجسدية منذ الولادة بما في ذلك :
- الرضاعة عند الطلب
- التلامس العاطفي
- البيئة الهادئة فالطفل يكتسب إحساسًا فطريًا بالنظام منذ شهره الأول ويحتاج إلى بيئة منظمة تساعده على التكيف.
ترى مونتيسوري أن الحركة ليست فقط نشاطًا جسديًا بل أداة أساسية لنمو عقل الطفل. الطفل يقود حركته بنفسه ويجب أن يُمنح حرية الاستكشاف وفق إيقاعه الشخصي، حيث تساعده الحركة على تطوير التوازن والسيطرة الحركية. وعند سن الثانية، يبدأ الطفل بالانتقال من اللعب الفردي إلى اللعب التفاعلي والاجتماعي، ما يستوجب إدماجه في أنشطة جماعية كصفوف الحضانة.
طرق تنمية مهارات الطفل
أولاً: البيئة التعليمية المثالية
يُعد إعداد البيئة أحد ركائز منهج مونتيسوري، حيث يجب أن تكون بيئة محفزة، منظمة، واقعية، وجميلة. تعتمد البيئة التعليمية على ستة مبادئ أساسية: الحرية، النظام، الواقعية، الجمال، الأدوات التعليمية، والحياة المجتمعية. وهي تتيح للطفل حرية الاختيار، وتعزز استقلاليته وثقته بنفسه.
يتم اختيار الأدوات التعليمية بعناية لدعم التعلم الذاتي وضبط النفس. كما يتم توفير أنشطة فنية، موسيقية، وتجريبية لإغناء التجربة الحسية والعقلية. وتُشجع العلاقات الاجتماعية الطبيعية دون تدخل مفرط من الكبار، مع احترام القواعد والاختلافات.افكار تنمية مهارات الاطفال
ثانياً: النمو الحسي والعاطفي
يُولد الطفل بحواس نشطة نسبيًا، إذ يمكنه تمييز صوت الأم ويفضّل الروائح المألوفة مثل رائحة حليب الأم. ومع الوقت، تتطور حواسه تدريجيًا حتى تصبح مشابهة للكبار في عامه الأول. الإدراك الحسي هو الركيزة لفهم الطفل للعالم، ويُعد ضروريًا لتطور اللغة، والقراءة، والمهارات الاجتماعية.
عاطفيًا، يبدأ الطفل منذ الولادة بإظهار مشاعر أولية تتطور مع الزمن، مثل الفرح والغضب والخجل. يحتاج إلى دعم البالغين لتنظيم هذه المشاعر وفهمها، خصوصًا مع تطور لغته. أما الارتباط العاطفي، فيتشكل عبر التفاعل المباشر مع الأم، مما يعزز الشعور بالأمان والاستقرار النفسي.
ثالثاً: التعلم والاستقلال
يبدأ الطفل باكتساب مفاهيم الهوية والاستقلال منذ الشهر الثامن عشر، حيث يتعرف على نفسه في المرآة، ويبدأ تدريجيًا بتمييز الآخرين من حوله. ومع التقدم في السن، يطوّر الطفل قدرته على ضبط النفس وفهم قواعد المجتمع.
في سن ما قبل المدرسة، يصبح الطفل قادرًا على اختيار أنشطته، ويظهر اهتمامًا متزايدًا بالتعلم الذاتي. تُعزز البيئة المنظمة روح التعاون وتحمل المسؤولية. ومن خلال أنشطة مونتيسوري التي تعتمد على التجربة المباشرة، يتطور ذكاء الطفل بشكل فطري مدعومًا بالتحفيز الذاتي لا بالمنافسة.افكار تنمية مهارات الاطفال
الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة والتوحد
أكدت مونتيسوري أهمية دمج الأطفال ذوي التحديات النمائية كالتوحد في بيئة تعليمية منظمة تساعدهم على الاستقلال والانضباط الذاتي. إذ يواجه هؤلاء الأطفال صعوبات في التواصل الاجتماعي، وفهم المشاعر، ويحتاجون إلى روتين واضح وأنشطة حركية وحسية متكررة تساهم فى علاج التوحد.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن أسباب التوحد متعددة منها عوامل جينية واضطرابات في الجهاز الهضمي، ونقص مضادات الأكسدة كـ”الجلوتاثيون”. ويركز العلاج على
- إزالة السموم
- دعم الهضم
- تعويض النواقص الغذائية
- تعديل السلوك من خلال برامج مثل TEACCH وLovaas التي تعتمد على التدريب الفردي والروتين البصري.
البرنامج اليومي في مونتيسوري
يركّز برنامج مونتيسوري للأطفال من سنتين إلى أربع سنوات على المهارات الحياتية مثل العناية بالنفس والنقل، والمهارات الحركية واللغوية والرياضية، ويستخدم أدوات مجسمة وأنشطة حسيّة. بينما يمتد برنامج تنمية مهارات الأطفال من عمر أربع إلى ست سنوات ليشمل مهارات القراءة والرياضيات، ومفاهيم ثقافية ودينية مع دمج أنشطة إبداعية خارج الروتين.
يتم تقييم الأطفال كل أربعة أشهر وفقًا لمستوى إنجازاتهم، مع التركيز على تعديل السلوك بالحوار والاسترخاء، لا بالعقاب. كما تُشرك الأمهات في العملية التعليمية عبر ورش ودورات مثل العاب تنمى الابتكار عند الاطفال، ويتم تصوير الأنشطة ومتابعتها بشكل دوري و كيفية تنمية موهبة الرسم عند الاطفال.
التحديات والحلول
واجه البرنامج تحديات عديدة أبرزها غياب الالتزام من بعض الأسر، اضطرابات النوم والغذاء، وكثرة الغياب. تم التغلب عليها من خلال تنظيم ورش توعوية للأمهات، اعتماد أنظمة غذائية متوازنة وجدولة روتينية يومية تشمل النشاط البدني، الغذاء، والراحة.
خاتمة:
يقدّم منهج ماريا مونتيسوري رؤية متكاملة فى تنمية مهارات الأطفال ،أيضاً ترتكز على احترام مراحل تطوره وتوفير بيئة تعليمية تتيح له حرية الحركة والتعلم الذاتي كما تؤمن بقدرة كل طفل على التقدم إذا ما وُفّرت له الظروف المناسبة. من خلال الألعاب التفاعلية والأنشطة اليومية، يمكننا دعم تنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال بطريقة ممتعة وفعّالة. ويظل هذا المنهج أحد أبرز أساليب التربية الحديثة التي أثبتت فعاليتها عالميًا، خاصة في التعامل مع الأطفال و تنمية المهارات العقلية عند الاطفال.